اتفاق العاشر من آذار بحاجة إلى مزيد من الوقت

17. ديسمبر 2025

منذ توقيع اتفاق العاشر من آذار بين الرئيس الانتقالي أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، بدا المشهد السوري كمن يضع قدماً في بدايات حلّ سياسي محتمل، ويُبقي الأخرى غارقة في طين الوقائع القديمة. كان الاتفاق، في لحظته الأولى، يُشبه نافذة انفتحت على ضوءٍ خافت، يَعِد بعودة الدولة السورية إلى شكلها الوطني الجامع، ويَعِد كذلك الكرد باعتراف طال انتظاره.

لكن مع اقتراب موعد تنفيذ الاتفاق، تتّسع الفجوة بين الوعد والتطبيق بسبب تشابك القوى في الشمال الشرقي وصعوبة دمج مؤسسات الإدارة الذاتية في دولة مركزية منهكة ومتوجسة في آن واحد.

مفاوضات معلّقة

شكّل الاتفاق محاولة جريئة للجمع بين استعادة وحدة سوريا، واحترام التجارب التي نشأت خلال سنوات الحرب، وضمان دخول الكرد في الدولة دون التنازل عن هويتهم وحقوقهم. وجاءت بنوده الثمانية متوازنة، تجمع بين الاعتراف بالحقوق ووقف القتال ودمج المؤسسات وتعزيز وحدة الدولة وعودة المهجّرين. لكنّ هذه الرؤية سرعان ما اصطدمت بواقع شائك، إذ احتاج تنفيذ كل بند إلى سلسلة تفاهمات سياسية وأمنية ودستورية وإقليمية لم تتوفر بعد.

وفي جولات التفاوض التي عقدت في دمشق، بدا التقدّم شكلياً فقط؛ فكل طرف حمل معه إرثاً من المخاوف: الحكومة تخشى تقاسم السلطة والضغوط التركية من الاعتراف بالحقوق الكردية واللامركزية، فيما تخشى الإدارة الذاتية أن يتحوّل الدمج إلى عودة مقنّعة للمركزية القديمة، وإعادة إنتاج الاستبداد والتهميش. وهكذا تحولت المفاوضات إلى بيانات مجاملة بلا مضمون.

التدخل التركي: الظل الأطول على الاتفاق

يصعب الحديث عن شمال شرق سوريا دون الحديث عن تركيا. فأنقرة لم تكن يوماً مجرّد مراقب للملف، بل طرفاً متدخلاً على نحو مباشر، سياسيّاً وعسكريّاً. هذا التدخل كان عاملاً حاسماً في تعطيل تنفيذ الاتفاق. فكل خطوة نحو الدمج أو التفاهمات الداخلية كانت تُقابَل بردات فعل تركية تؤكد أن الملف غير سوري بالكامل. 

ورغم نص الاتفاق على وقف شامل لإطلاق النار، بقي الواقع مختلفاً بسبب اشتباكات تقودها فصائل موالية لتركيا. وهكذا أصبح تنفيذ الاتفاق مرهوناً بموافقة أنقرة ورفضها لأي صيغة تمنح الكرد موقعاً مؤسسياً داخل الدولة.

اتفاق يحتاج إلى وقت أطول وشروط جديدة

مع نهاية المهلة المخصّصة لتنفيذ الاتفاق، يتبيّن أن الوقت لم يكن كافياً لحل القضايا الجوهرية: اللامركزية، مصير قوات سوريا الديمقراطية، آليات الدمج، وعودة المهجّرين. فحجم التعقيد السياسي والدستوري والأمني يفوق قدرة سنة واحدة على استيعابه. سوريا التي عجزت لسنوات عن معالجة ملف واحد، لا يمكنها حسم قضايا تمس الهوية والجيش والنفوذ الإقليمي بهذه السرعة. لذلك يحتاج الاتفاق إلى وقت أطول وشروط جديدة تضمن جدّية الطرفين في دمج المؤسسات، وتحدّ من قدرة القوى الإقليمية، خصوصاً تركيا، على تعطيل أي خطوة عبر الضغط العسكري.

قد لا ينهار الاتفاق، وقد لا ينجح أيضاً. لكنّ ما يمكن قوله بثقة إن الاتفاق، حتى وإن تعثّر، فتح باباً لن يغلق بسهولة: باب الاعتراف بأن سوريا المستقبل لن تكون نسخة مكرّرة من سوريا الماضي، وأن الدولة السورية، كما عرفناها، لا تستطيع العودة إلى ما قبل الحرب، حتى لو رغبت بذلك، وأن الإدارة الذاتية، مهما اختلف حولها، باتت رقماً صعباً لا يمكن تجاوزه.

قد تُمنح مهلة جديدة. وقد يتغيّر شكل الرعاية الدولية. وقد تجد دمشق مصلحةً في التحوّل التدريجي نحو شكل من اللامركزية لأن المركزية نفسها لم تعد ممكنة. وقد تجد قسد نفسها مضطرة إلى قبول دمج تدريجي لأن البقاء خارج الدولة لم يعد واقعياً.

العودة إلى الأعلى
Cover image

ماجد داوي

ناشط سياسي وحقوقي كردي سوري

اشترك ليصلك آخر أعداد مجلة سوريا المتجدّدة إلى بريدك الإلكتروني.

* يشير إلى الحقول المطلوبة
العربية